الظلام... ماذا يعلمنا وما نتعلم منه عن الواقع وعن المكان، بل عن أنفسنا؟ ما هي العبر المرجوه من الظلام حيث وحده كفيل بتعليمنا إياها؟ فعندما تغيب الصورة ما الذي يبقى لنا؟ ما الذي عسانا نراه؟
هذه التساؤلات حرضتني أولاً على النحت مغمضة العينين، وتالياً إلى الانطلاق في مسيرتي الفنية في الظلام كحقل تجارب. وجاء عرض "الرجاء اللمس" يحفزني على التساؤل حول دور الصورة، وفعل اللمس في الابتكار الفني، بل وعلاقة تجربة اللمس بالذاكرة.. وقد أيقنت بذلك أن الفن لم يوجد لتتمتع به العيون وحسب، فإن تلمس تحفاً فنية فمن شأن ذلك إطلاق شرارة عواطف جياشة تمكننا من معرفة قيمة تلك الهدية الثمينة والتي هي حاسة اللمس.
ومع قصة "فيل في الظلمة" هو عنوان مُستلهم من رواية هندوسية ومن شعر لجلال الدين الرومي، يتخذ الظلام أبعاداً أخرى، لتغدو منطلقاً للفكر والشك. لكأننا نعيد النظر حتى في يقيننا الأعمى.
أن تكون في الظلام، هو التخلّي عن كلّ ما نعرفه وما نظن أننا نعرفه. بل عن كلّ ما نفكّر به ونحسبه صواباً وحقيقة.
إنه القبول بأن نغدو تائهين وأن نتواجد في مكان بلا أيّ وجهة. إنها تجربة الظلام التي جعلتني أعي وأُدرك أن الإنصراف للفكر، يتطلب رؤية مختلفة وتفكيراً يقتضي الإستعانة بالجسد ككل وما يمتلكه من حواس. وهكذا يصبح اللمس باليد تماماً كلمس القدم للأرض.. فقدم حافية، تتحسس، تُبطىء تُصغي إلى إيقاع خطواتها، تستكشف طريقها، تتيه كلما حاولت أن تتجذر في العالم. إنها قدم تتقدم في مكان مفتوح، ضمن مروحة لا متناهي من الإحتمالات، تعيد اكتشاف معنى الأفق وتصل إلى حيث لم تتخيل نفسها إنها قد تصل يوماً.