تتناول هذه الدراسة الروايات اللبنانية التي تتضمّن شخصيّاتها الرئيسية شخصيّة البغّال – ذلك الفلّاح الغامض الذي، بدلاً من أن يعمل في الأرض، يكسب رزقه من نقل البضائع والناس على ظهر البغل.
مع تعقّب البصمة التي تركها البغّال اللبناني في الوعي الجَماعي، والتي تشبه إلى حدٍّ ما بصمة «روبن هود» الإجتماعيّة كقاطع طُرُق يدافع عن طبقة الفلّاحين في وجه ضريبة الدولة وتراكم رأس المال، يحقّق هذا البحث في معاني ودلالات الظهور المتكرّر لهذه الشخصيّة في الرواية كنوعٍ أدبيٍ مزدهر.
أتت الرواية في حد ذاتها كنتيجة للتوتّر بين التقليدي والحديث. في الجنوب العالمي، كانت أيضاً نتاج اللقاء مع الغرب. وبينما برز هذا النوع الأدبي نتيجة رغبة في العصرنة والتَّحديث، قد يصحُّ تفسير هذا اللجوء إلى التّراث كوسيلة دفاعٍ ضد تحللّه وهلاكه في العالم المُعَولَم – وسيلةٌ يتبنّاها الكُتّاب كما القُرّاء كأفراد طبقة وُسطى متجدّدة. في تعبيرٍ بليغ، يقول والتر بنيامين ان "مسقط رأس الرواية هو الفرد في انعزاله". لهذا السبب يخصّصُ الأدب الروائي اللبناني مكانةً هامّة لشخصيّة البغّال المتناغمة مع الإيقاع الحيوي للحياة الريفيّة والشاهد الأول على انحلال المجتمع.
ترسمُ هذه الدراسة أوجه التشابه المحتملة بين لبنان وسياقات مُتعاصِرة أخرى في أرياف الجنوب العالمي، وتُبرزُ أهميّة الرّواية المُرتكزة على شخصيّة عامل النّقل الريفي التّقليدي كنوع أدبي متماسك يتجاوز السّياقات الثقافية، بهدف التعبير عن الذُّعر العنيف الذي يجتاح المجتمعات الريفيّة في انتقالها إلى الرأسمالية الليبرالية.