يتناول البحث انعكاسات الحراكات السياسية والإجتماعية والجغرافية في منطقة وسط السودان في الفترة الممتدّة من 1980 إلى 2010م، على مجالَي الفنون البصرية والعمارة، من الناحيتين المفاهيمية والأسلوبية. يستهدف البحث إعادة النظر في تفسير مسار تطوّر الفنون الحديثة في السودان. فالنظرة السائدة تحاول فهمها انطلاقاً من فكرة الحداثات المتعددة (multiple modernities) وتربطها بمرجعية الحداثة الغربية، فتراها مجرد انعكاسات متعدّدة لتجربة الفنون الغربية الحديثة. من جهته، يحاول البحث فهم الممارسة الفنية في السودان من منظور التواريخ المحلية، معتبراً الحداثة الغربية لحظة واحدة من لحظات تواريخ عديدة لا يمكن منحها امتيازاً بين تواريخ أمم العالم. من حيث الموضوع، يدرس البحث التحوّلات السياسية والإجتماعية في السوادن في ثمانينيات القرن العشرين، وهي تحوّلات جرت على الصعيدين السياسي والإجتماعي، وتزامنت مع تبني الدولة سياسات الليبرالية الجديدة التي راجت في العالم آنذاك. فمع تفكيك القطاع العام وتسريح أعداداً كبيرة من العاملين، تدهورت المدن السودانية التي كانت تضم مصانع ومؤسسات القطاع العام، وبدأت موجات هجرة كبيرة منها إلى العاصمة الخرطوم. وكان أبرز الخاسرون في تلك الظروف المثقفين والفنانين الشباب، إذ كانت مؤسسات الثقافة والفنون أول القطاعات التي تخلّت الدولة عن رعايتها. نتيجة لذلك، حدثت حراكات سياسية متعدّدة، وشهد عقد الثمانينيات وحده أربعة أنظمة متعاقبة. أنتجت تلك الظروف حراكات إجتماعية ومكانية أثّرت كثيراً على إعادة تشكيل الفضاءات المرئية، وتحوّلت الخرطوم إلى مدينة بالغة التعدّد من حيث المظهر البصري، وانعكس ذلك بصورة واضحة في الفنون البصرية والمكانية. يحاول هذا البحث إستخلاص الروابط بين تلك التحوّلات وتحوّلات الأساليب والمفاهيم في تلك الفنون. تكمن أهمية البحث في توضيح ارتباط ممارسة الفنون البصرية في السودان بالسياقات الإجتماعية المختلفة وإسهام الفنانين في حركة التغيير الثقافي إنطلاقاً من دور الفنان كمُنتِج للرموز والمخيّلة الجماعية التي تزوّد المجتمع بأدوات فهم الواقع وتغييره.