بعد وفاة والدي في العام 2010، كنت أتصفح صوره العائلية ورسائله القديمة المكتوبة بخط اليد. اكتشفت رسوم وقصائد ونقوش لفن الخط تتمحور كلها حول ثقافة النوبة، التي تشغل اليوم جزءاً من السودان ويُعتقد بكونها واحدةً من الحواضن المبكّرة للحضارة الإنسانية.
كان أبي يحاول دائماً أن يكون حلقة الوصل بين عائلتنا وأصولنا النوبية. تعود أصول أبي إلى بلدة هوشمار شمالي السودان إلا أنني كبرت في العاصمة الخرطوم بعيداً عن المجتمع النوبي. لذا فإن صلتي الوحيدة مع ثقافتي النوبية كانت من خلال ذكريات أبي. بعد وفاته شعرت بالحاجة للاقتراب من جذوري وفهم ما كان والدي يحاول أن يخبرنا عنه. أردت لإرثه أن يستمر، لذا انطلقت في رحلة أخذتني عبر السودان إلى مصر (حيث مسقط رأس العائلة في أسوان) ومن ثمّ إلى كينيا. في رحلة البحث في الثقافة النوبية من خلال ذكريات أبي، اكتشفت أنني أبحث عن أبي، وعلى طول الرحلة أصبحت أفهمه بشكلٍ أعمق. عندما حاولت ربط محطات الرحلة ببعضها، وجدت ما يذكرني بتفاصيل وطني. قضيت ساعات طوال أتحدث مع الناس في بيوتهم واستمتع بأكلات المطبخ النوبي الشهية كالقراصة والبامية. حضرت أعراساً واحتفالات. علمتني الأماكن التي زرتها أغانٍ ورقصات جديدة تحتفي بالجمال والانتماء والترابط الاجتماعي. تذكرت كيف اعتاد والدي أن يضع أغانٍ لمطربين نوبيين على الراديو، وكيف كان يشرح لي معاني كلماتها. تعلمت كيف تكون الموسيقى أداة للتعبير عن الفرح والحزن والحنين والشكر والامتنان. تعلمت الفروق بين اللهجات المختلفة وعرفت كيف أثرت الثقافة النوبية على كل أوجه الحياة.
كنت متحمساً عندما رجعت للخرطوم لاكتشافي المزيد من التأثيرات النوبية التي لم ألحظها قبل رحلتي. شعرت بالقرب من الناس واختبرت جزءاً من تاريخهم المُعاش من خلال قصصهم. توثّقت كذلك علاقتي مع والدي وفهمت أخيراً إصراره على تعريفنا بثقافتنا وتراثنا النوبي. أتوجه بشكر خاص إلى سمير عثمان ووئام علي على الرسوم والتحريك.