27 / 11 / 2024
يكمن التأثير العميق للسينما على المجتمع في قدرتها على تداخل الحدود بين الواقع والخيال، لتفتح أمام الجمهور أبعاداً جديدة لفهم العالم. تستكشف مشاريع السينما المختارة لهذا العام قوة الروح الإنسانية والتوق الذي يتشاركه الجميع لتجاوز الظروف القاسية.
في إحدى القصص، يجول شاب في دمشق التي دمرتها الحرب بحثاً عن والده المعتقل، كاشفاً عن الواقع الوحشي للصراع والرغبة في إيجاد العائلة. في قصة أخرى، تتنقل شابة عبر شوارع القاهرة المزدحمة برفقة مُسعف. وفي الجزائر، تهرب ربة منزل من زواج تتعرض فيه للأذى، لتبدأ رحلة جديدة بصحبة حارس حديقة. تعكس هذه القصص الشجاعة في الحلم بمستقبل أفضل رغم الصعاب المنيعة، وتبرز قوة السينما في إلهام الشجاعة والتعاطف.
حظي برنامج السينما 2024 لجنتي تحكيم، واحدة للأفلام القصيرة والأخرى للأفلام الطويلة. ضمت لجنة تحكيم الأفلام الطويلة الكاتبة والمحرّرة المصرية ياسمين زهدي، والمخرج اللبناني جورج هاشم، والمنتج التونسي نديم شيخ روحه. أما لجنة تحكيم الأفلام القصيرة، فضمت المخرجة اللبنانية رانيا رافعي، ومخرج ومنتج وكاتب الأفلام والمسرح اليمني عمرو جمال، والمؤسّس المشارك ومدير سينما "زاوية" المصري يوسف شاذلي.
بعد مداولاتهم، أصدرت لجنتا التحكيم البيانين التاليين:
بيان لجنة تحكيم الأفلام القصيرة
"سلطت المشاريع المقدمة هذا العام الضوء على الرؤى الجريئة والإبداع المنفرد لصانعي الأفلام في مختلف أنحاء المنطقة. تأثرنا بشكل خاص بالشجاعة التي تجلّت في الحكي، وعدد النساء اللواتي وقفن وراء هذه المشاريع، بالإضافة إلى الروابط التي أقامتها العديد من المشاريع مع الواقع الحالي. قدّمت بعض المشاركات أشكالاً مبتكرة تمزج بين السينما والفن المعاصر، ما يعكس رغبة في التجريب والتوثيق والأرشفة. وتشير الجودة العامة للمشاركات إلى مستقبل واعد للسينما في المنطقة.
إلا أننا لاحظنا بعض التحديات. كشفت الطلبات من بعض الدول عن تفاوتات في النفاذ إلى المعرفة والموارد، كما لاحظنا نقصاً في تمثيل بعض الدول العربية. بالإضافة إلى ذلك، كانت بعض الميزانيات مرتفعة بشكل لا يتناسب مع الأفلام القصيرة، ولا يتماشى مع السياق الاقتصادي للمنطقة. كما أن بعض المشاريع الواعدة قُدمت في مرحلة مبكرة جداً وتحتاج إلى مزيد من التطوير. ونوصي المشاركين على تقديم أعمالهم السابقة بشكل مدروس ضمن استمارات التقديم.
اختيار المشاريع النهائية كان مهمة صعبة نظراً لقوة العديد من الطلبات. ومن المهم التأكيد على أن قرارات التمويل تتأثر بعوامل متعددة، ولا تعتمد فقط على جودة المشروع. ندعو صانعي الأفلام أن يحافظوا على حماسهم، وأن يستكشفوا نماذج تمويل بديلة. تكمن قوة السينما في قدرتها على التكيّف، ونحن واثقون أن المستقبل يحمل إمكانيات هائلة لصانعي الأفلام ومشاريعهم في المنطقة."
بيان لجنة تحكيم الأفلام الطويلة
"كان من دواعي سرورنا وشرفنا الكبير أن نستعرض مشاركات هذا العام، وسعدنا أن ندرك أن صناع الأفلام العرب، رغم اللحظة الحالكة غير المسبوقة التي تمر بها منطقتنا، يواصلون الإبداع، ويكافحون لإحياء أفكارهم، ويكتشفون طرقاً جديدة وأصيلة لحكي قصصنا، على الرغم من التحديات المتزايدة التي يواجهونها.
أسعدتنا بشكل خاص التنوعات في المواضيع، والنطاقات، والمقاربات السينمائية التي تميزت بها المشاريع المقدمة. ورغم أن العديد من الأفلام المختارة تعالج قضايا اجتماعية وسياسية ملحّة في سياقاتها، فإن أهم ما برز هو المنظور الجديد الذي تبنّاه معظمها. ففي مواجهة واقع يتزايد تعقيداً ويتجاوز أحياناً قدرتنا على الاستيعاب، بل وحتى حدود الخيال، اختار بعض صنّاع الأفلام أن يتجنبوا المواجهة المباشرة، وقدّموا بدلاً من ذلك نظرات جانبية ثاقبة. هذا النهج، والذي ظهر في العديد من الطلبات هذا العام، يقدم وسيلة فريدة وفعالة للتعامل مع تداعيات عميقة.
من أبرز الأمثلة على ذلك استخدام الأنواع السينمائية المختلفة. استخدم بعض صنّاع الأفلام ما يتيحه نوع الرعب أو الفانتازيا أو الكوميديا السوداء لإعادة النظر في جروح جماعية من ماضٍ لا يزال يطاردنا، واستحضار بدائل مستقبلية، أو التعامل مع عبثيات الحاضر. واختارت مشاريع أخرى العودة إلى الماضي لإحياء شخصيات تاريخية منسية أو أساطير شعبية، مستردة إرثنا المشترك للتفكير في الأسئلة الملحّة عن الحاضر. كما أن هناك مشاريع لجأت إلى صيغة الحكاية الشعبية كوسيط للتعليق السياسي الضمني، أو استخدمت سمات الواقعية السحرية لتوسيع آفاق الواقع الرتيب، خاصة في أفلام تتناول مرحلة بلوغ سن النضج، وهو نوع آخر يسعدنا أن نرى صعوده.
بعض أفضل المشاريع التي استعرضناها استندت بشدة إلى الواقعية، لكنها مع ذلك احتفظت بوجهات نظرها الفريدة، سواء من خلال التركيز على أفراد يعيشون حياة هشة على أطراف المجتمع، وغالباً ما يتحملون أثقل أعباء فشل النظام وظلمه، أو من خلال سرد قصص شخصية بشدة، تتحول بفضل صدقها الحارق وتفاصيلها الدقيقة إلى قصص تجد صداها عند الجميع. كما لاحظنا اهتماماً بإعادة النظر في مفهوم الأسرة، باعتبارها قوة تدعمنا في مواجهة التغيرات الخارجية المتسارعة، لكنها أيضاً مكاناً للصراعات حيث تتصادم القيم والمبادئ الأخلاقية المختلفة. أسعدنا كذلك العثور على العديد من التصويرات القوية ومتعددة الأبعاد للنساء في الأدوار البطولية، إلى جانب الزيادة الملحوظة في عدد المخرجات والمنتجات بين المشاركين هذا العام.
لم يكن اختيار الأفلام الفائزة بالمنح بالأمر اليسير. حاولنا اختيار المشاريع التي تبرز فيها المهارة، والأصالة، وعمق السرد، والتي تتوافق مع سياقاتها لكنها تظل قادرة على جذب جمهور واسع خارج هذه السياقات، وتخلق لحظات سينمائية تتسم بالسمو؛ نصوص مكتوبة بحساسية ووضوح يجعلها قابلة للتصور بسهولة أثناء قراءة صفحاتها. وأخيراً وليس آخراً، فضلنا الأفلام الجريئة، تلك التي تنطوي على مخاطرة، والتي تتسم بالشجاعة في الشكل، ولا تتردد في تناول المواضيع بجرأة.
نحن ممتنون لمنحنا فرصة التعرف على هذه المشاريع جميعها، وقضاء الوقت معها، والمساهمة بدور صغير جداً في رحلتها نحو الاكتمال. نشعر بالحماس والتفاؤل لما قرأناه، ونتطلع بشغف لرؤية الأفلام في صورتها النهائية على الشاشة (سواء التي اخترناها أو التي لم نخترها)، ونتطلع بكل صدق إلى مستقبل واعد ومليء بالحماس للسينما في منطقتنا.
شكرنا الخالص لـ"آفاق"، وإلى كل من شارك عمله معنا."
المشاريع الفائزة بمنح السينما
الأفلام الطويلة
الأفلام القصيرة