ما العمل الآن؟ وسط الإبادة المستمرة، تُعيد مشاريع برنامج التدريب والنشاطات الاقليمية لعام 2024 قراءة التاريخ وتنظّم الإنتاج المعرفي من جديد.
19 / 11 / 2024
في ظل العنف الاستعماري المتواصل الذي يستهدف غزة منذ العام الماضي، والذي يتفاقم تدريجياً في الضفة الغربية، وامتد الآن إلى لبنان، خاض المفكرون والممارسون والفنانون والباحثون في المنطقة، والذين اختيروا للحصول على منحة برنامج التدريب والنشاطات الاقليمية لعام 2024، مسارات جريئة سياسياً لمواصلة التفكير في الحاضر. اليوم، أصبح تنظيم كيفية تفاعلنا وتفكيرنا وإنتاجنا أكثر أهمية من أي وقت مضى.
المشاريع الـ15 في هذه الدورة اختارتها لجنة التحكيم التي ضمت ليال فتوني ونور الصافوري وبلحسن حندوس. اعتمد أعضاء اللجنة في عملية الاختيار على خبراتهم العملية حول إنتاج المعرفة والنشر وإدارة البرامج وصناعة الأفلام. يمكنكم التعرف على مقاربتهم وأفكارهم التي حددت اختياراتهم في البيان التالي:
"شكّل تكليفنا بمسؤولية اختيار الحاصلين على مِنح برنامج التدريب والنشاطات الإقليمية لعام 2024، من آفاق، شرفاً وتحدياً. ما عكسته المُقترحات كان ثروة من المعرفة والخبرة والتفكير النقدي والابتكار، ومصدر إلهام وثراء، وهو ما جعل مهمة لجنة التحكيم أكثر صعوبة. قرأ أعضاء لجنة التحكيم وناقشوا عدداً كبيراً من المقترحات بدقة، واختاروا مجموعة من المشاريع، التي تنوعت من حيث موضوعات البحث والأساليب والوسائط والتخصصات. ونؤمن بأن هذه المشاريع سوف تساهم في تطوير قطاع الفنون والثقافة في المنطقة العربية في ظل الظروف الاجتماعية والسياسية الراهنة.
تكررت ممارسات وأساليب إعادة النظر في "التاريخ من الأسفل"، وإعادة كتابته في جميع المُقترحات المُقدمة. وركّزت بعض المشاريع المُختارة على تطوير أدوات نقدية ومنهجيات تاريخية لتسليط الضوء على اللحظات التاريخية المُهمشة في الأرشيفات الاستعمارية والوطنية. من خلال ورش العمل، يقدم برنامج التدريب والنشاطات طرقاً جديدة لتفعيل الأرشيف، وكشف المغلوط والمُغفل في السرديات التاريخية السائدة. تراوحت المشاريع من ورش عمل بحثية تتبع نضال الحركات العمالية في مصر والمغرب في الجيوش الإمبراطورية أثناء الحرب العالمية الأولى، إلى رسم خريطة زمنية لأدب الأطفال على مدى 100 عام في لبنان، إلى إحياء الأغاني الساخرة في الفترة بين عشرينيات وأربعينيات القرن العشرين في بلاد الشام، وهي الفترة التي شهدت تحولات سياسية واجتماعية مضطربة. تم فحص العلاقة بين الحداثة والاستعمار في بلاد الشام خلال تلك الفترة بشكل أعمق في أحد التدريبات المسرحية لأحد الحاصلين على المِنحة، والذي أخذ مسرحية سعد الله ونوس، "الأيام المخمورة"، كأساس لتدريس وإعادة التفكير في الكتابة والأداء المسرحي.
إرث العنف الاستعماري والنضال ضد الاستعمار في منطقتنا ليس مخفياً في الأرشيف فحسب، إذ أن الاستعمار - كمنظومة عنف من التهجير والتدمير- يُشكل بنية الحياة اليومية في فلسطين منذ النكبة. فمنذ أكثر من عام، وحتى كتابة هذه السطور، يتعرض الفلسطينيون في غزة والضفة الغربية لأقسى وأشد أعمال القتل والتدمير دموية في التاريخ الحديث. من جهة أخرى، واجهت المبادرات الثقافية والنشاطات المؤيدة للفلسطينيين قمعاً وإلغاءً وترهيباً وإغلاقاً في أوروبا والولايات المتحدة، في محاولة لإسكات الأصوات المُنتقدة لانتهاك دولة الاستيطان الإسرائيلية لكل أشكال الحياة في فلسطين.
مع تصاعد حرب الإبادة، وتكثيف القمع، نواجه السؤال حول معنى الكتابة، أو صُنع الأفلام، أو الإبداع وسط هذا العنف العبثي؟ كيف نُعبّر عن ما لا يمكن التعبير عنه؟ كيف نُشكّل شبكات للتضامن وإنتاج المعرفة من رحِم المأزق السياسي الحالي، تستطيع تجاوزه والاستمرار بعده؟ في خِضم تفشي ممارسات تقييد الحق في التعبير وفرض الرقابة، اتفق أعضاء لجنة التحكيم على ضرورة دعم المُبادرات التي تركّز على المُحادثات النقدية، والكتابات، وبرامج الأفلام في الأماكن التي أصبحت فيها القيود على التعبير أكثر صرامة، سواء في المنطقة العربية أو في دول المهجر. تشمل المشاريع المُختارة زمالة في الكتابة، تجمع بين الكُتاب الفلسطينيين الراسخين والكُتاب الشباب للتفكير معاً، ومشاركة الخبرات، ومواجهة تحديات الكتابة أثناء الإبادة الجماعية من خلال فعل الكتابة ذاته. تشمل المشاريع الأخرى برامج عرض أفلام، بالإضافة إلى التدريب السينمائي لصُناع الأفلام الفلسطينيين الشباب، وصناعة الأفلام للأطفال وعنهم. وفي الوقت الذي تُشن فيه الحروب ضد أطفالنا، يكتسب دعم الأعمال التي تغذي قدراتهم الإبداعية على تخيّل عالم آخر، أهمية حيوية. ويتجلى هذا في برامج التدريب المُختارة التي تركّز على تطوير كتابة السيناريو وإنتاج أفلام الأطفال، وتوجيه الممثلين الأطفال، فضلاً عن تعريف الأطفال بالأدب (القصصي، والتعليمي، والفنتازي) والرسوم المتحركة والقصص المُصورة.
كشفت عمليات الإبادة الجماعية المُستمرة عن عجز الأنظمة القانونية. ومع ذلك، نجد أنفسنا مُجبرين في المجال الثقافي على وضع الأطر القانونية والإدارية المحلية والدولية المُقيدة في الاعتبار. وتسعى بعض المشاريع المُختارة إلى إقامة بِنى تحتية جديدة لإنتاج الثقافة، من أجل تعزيز التعاون بين الممارسين من المنطقة العربية ونظرائهم في القارة الإفريقية، في حين عالجت مشاريع أخرى النقص الملحوظ في البنى التحتية للفنون والثقافة القائمة من خلال تقديم الدعم القانوني. هذا الانخراط في ظروف العمل الثقافي الراهنة أمر يثير الإعجاب، لأنه يسمح لنا بتوجيه المجال الثقافي نحو قيم العدالة والمساواة والتأمل الذاتي.
إن الوصول إلى المعرفة، سواء كانت تقنية أو نظرية، خارج حدود الجامعات، هو أحد السُبل لخلق مجال ثقافي متنوع ومُتفاعل اجتماعياً. وتضع بعض المشاريع برامج تعليمية بديلة أو تقدم فرصاً للتعرف على مهارات جديدة. ومع ذلك، نتساءل عما إذا كانت هناك حاجة لإعادة النظر في ديناميكية ورشة العمل من أجل تيسير نقل المهارات والمعرفة غير الهرمية. كما نتساءل: متى تعمل برامج التدريب الموجهة للفنانين والعاملين في المجال الثقافي على إضفاء الطابع المهني على ممارساتهم، من أجل إعدادهم لدخول سوق الفن؟ ومتى يكون الهدف منها هو توفير إمكانيات مُستدامة للفنانين في بيئات محفوفة بالمخاطر؟ أين يقع الخط الفاصل بين الاهتمام بتطوير مهارات الإدارة الثقافية وبرامج التدريب التي توفر الموارد اللازمة للانخراط بشكل فعّال في سوق العمل القائمة، ودعم سُبل العيش؟
أخيراً، نود أن نهنئ جميع الحاصلين على المنح ونتمنى لهم كل التوفيق في تنفيذ مشاريعهم."
تتوجه آفاق بالتهنئة للمشاريع المختارة. وأكثر من ذلك، تفخر بدعم أعمال مهمة كهذه في مثل هذا الوقت. أدناه قائمة بعناوين المشاريع. يمكنكم التعرف على المزيد عن كل مشروع من خلال الضغط على الروابط المتاحة.