مشروعك "واحة" يمثل توثيقاً غريباً تماماً للتدهور الذي لاحظته في واحات المغرب. ما الذي دفعك إلى استخدام تقنيات غير عادية في مشروعك، عبر إضافة عناصر خارجية وعضوية إلى صورك مثل التمور الجافة، ولحاء أشجار النخيل، والتربة، وما إلى ذلك؟
من خلال هذا المشروع، أردت العمل -لأول مرة- على فكرة تأثير تغيّر المناخ على الواحة. واحدة من الصعوبات الأولى التي يواجهها المصور، وسيؤكدها جميع المصورين الذين يعملون في موضوع تغيّر المناخ، هي الصعوبة الشديدة في توثيق التأثيرات والتقاطها بمرور الوقت. قد يحتاج المرء إلى معيار: صور من الأرشيف، لتوفر له رؤية أوسع حول وضع المكان في السابق، لكي يصبح التدهور ملموساً. لكن في حالتي، لم تكن هذه الصور مُتاحة، لأن التوثيق البصري للواحات سيئ للغاية.
لذلك، ذهبت إلى الموقع، واتخذت منهجاً توثيقياً تقليدياً، ثم أدركت أنني لم أنجح في التقاط حالة التدهور، وأن ما شعرت به في الموقع لم يظهر في الصور. قصتي كانت تفتقد شيئاً ما. وبعد أن التقطت صوري بدأت في جمع المواد من الموقع. كما جمعت قصائد من السُكّان الذين كتبوا نصوصاً تستند إلى ما عاشوه في السنوات القليلة الماضية؛ الحرائق وتدهور هذه المناطق. في إحدى الأمسيات، قلتُ لنفسي، ربما ينبغي عليّ خلق رابطة بين هذه العناصر والصور، لأرى ما سينتُج عنها. كانت طريقة جديدة بالنسبة لي. لم أستخدم هذه التقنية مطلقاً، كنت أحاول فقط نقل الرسالة، واستخدام وسيلة التصوير الفوتوغرافي لمُشاركة القصص التي شاهدتها وشعرت بها في المجتمعات المحلية. لقد بدأ المشروع بهذه الطريقة.
بعد ذلك، أدركتُ أن إضافة طبقات إلى صوري يجعل مغزى الرسالة أعمق. في تلك اللحظة، قررتُ تطوير سردية مجازية لما كان يحدث هناك. بعد ذلك بدأت أفكر تدريجياً في النار التي اندلعت في الواحة عدة مرات: كيف يمكن دمجها في الصور؟ عملتُ نسخاً من الصور وحرقت هذه النُسخ مُستخدماً تقنيات مختلفة، ولاحظتُ النتائج. وفي النهاية، توصلت إلى النتيجة التي تناسبني.
استخدمتُ أيضاً نوعاً من الأحماض الكيماوية لخلق حالة من التوازي مع تأثير العولمة الصناعية في هذه المناطق، من خلال الأمطار الحمضية، والآثار السلبية على طبقة الأوزون، وما إلى ذلك. الحمض، في رأيي، استعارة تعبّر عن هذه النزعة الصناعية. لذلك وضعتُ بعض التأثيرات الحمضية على الصور، ولاحظتُ هذا التدهور. لقد استخدمتُ التصوير لمحاولة صياغة هذه السردية والسيطرة على حبكتها. بعبارة أخرى، ألتقط الصورة، ثم أُضيف إليها بعض الأحماض، التي تبدأ في التهام أصباغ الألوان، وفي هذه اللحظة ألتقط صورة لهذه المرحلة، في محاولة لرصد التدهور بمرور الوقت.
أثناء تركيب وحدات هذه القصة، أبرزتُ تطوّر السرد على نحو عاطفي. بعبارة أخرى، يتصل المرء بالواحات عن طريق الأرشيف، ويعرف تاريخ الواحات، هذه الأراضي الهلنستية، من خلال ما تظهره وجهة النظر الاستشراقية في الصور والأفلام. بعدها ينطلق المرء نحو شيء أكثر ارتباطاً بما يحدث في الواقع، وأكثر ارتباطاً بهذا التدهور، والرسالة التي أرادت المجتمعات المحلية إيصالها، أو على الأقل الرسالة التي حاولوا نقلها إليّ أثناء وجودي في الموقع.
هل تعتقد أنك عززت تأثير الصور بهذه التقنيات؟
لم أخطط لتعزيز التأثير، ولكن على أي حال، فإن القصة التي تمكنت من سردها دقيقة تماماً، وأعتقد أنها وثيقة الصلة بالمكان على نحو أفضل مما لو صُوّرت بطريقة وثائقية تقليدية. لقد أعطى ذلك معنى أكبر لعملي وقصتي، لقد أضفتُ طبقات مختلفة، باستخدام تقنيات مختلفة، للسردية.
سمحت لي هذه التقنية بنقل التدهور وجعله مرئياً. لذلك يرتبط الجمهور على الفور بالقصة، ويشعر بما يحدث في هذه البيئات على الفور.
واحات المغرب موطن لأكثر من مليوني نسمة، وتساهم في التنمية الاقتصادية والثقافية على المستويين المحلي والوطني. ما هو تأثير مشروع التصوير الفوتوغرافي الوثائقي الخاص بك على أوضاع سكان الواحات المغربية الذين يظهرون في صورك؟ هل تعتقد أنك تمكنت من بدء عملية حماية الواحات والحفاظ عليها؟
من السابق لأوانه قول ذلك. انتهيتُ من هذا الجزء من المشروع في حزيران/يونيو 2021، وما زلت أعمل على الجزئين الثاني والثالث، في مناطق أخرى، لم استكشفها بالكامل بعد. ومع ذلك، فإن أحد أهدافي هو إعادة هذه الأعمال إلى هذه المناطق، وإطلاق نقاش مع المجتمعات المحلية التي كشفت لي عن قصصها وحياتها اليومية، في محاولة لإقامة حوار وفتح النقاش حول هذا العمل. بعد ذلك، يمكننا دعوة الشخصيات السياسية التي تقترح الحلول، والجمعيات التي تعمل على تنفيذ تلك الحلول. أنا نفسي ليس لدي حل جاهز. يتمثل دوري بشكل أساسي في فتح النقاش وإجراء المحادثات حول موضوعاتي، وآمل أن يؤدي هذا إلى إحداث تغيير ذات يوم.
ما هي خططك لتوزيع وترويج مشروعك؟ هل هناك خطط لحملة ضغط يساهم مشروعك من خلالها في وضع قوانين للحفاظ على الواحات ومجتمعاتها المحلية؟
أنا جاهز للتعاون مع المنظمات غير الحكومية أو الجمعيات التي تدافع عن هذه المناطق أو ترغب في حمايتها بشكل أو بآخر، وأود استخدام صوري في دعم جهودها. سيكون من دواعي سروري أن أساهم بهذه الطريقة. لكن لا أعتقد أن دور الناشط المُدافع عن الواحات بطريقة مُباشرة يناسبني. بل أعتبر نفسي فناناً، وهناك موضوع جذب انتباهي، أثّر فيّ، وأود مشاركته من خلال أعمالي. سأستمر في العمل على هذا النحو؛ هذه هي طريقتي في العمل. أعتقد أن كل شخص في المجتمع له دور يستطيع القيام به، وتحدث التغييرات من خلال التعاون، ومن خلال المحادثات، لكن لا يمكنني بدء محادثة بمفردي. يجب أن يتجمّع العديد والعديد من المنظمات والشخصيات السياسية والمجتمع المدني لإحداث التغيير. بشكل ما، أعتبر نفسي حاملاً لرسالة.. هكذا أرى عملي ودوري. لستُ رجل سياسة يضع قوانين تغيّر الواقع.
ومع ذلك، إذا كانت هناك إمكانية للتعاون مع المنظمات أو الأشخاص، فسأفعل ذلك بسرور كبير.
التصوير هو الوسيلة المناسبة للتواصل مع الناس ورواية القصص المؤثرة وإحداث التغيير. هل تعتقد أنك نجحت بهذا المشروع في فتح النقاش؟ هل يمكنك إخبارنا بالمزيد؟
لطالما استخدمت نهجاً أكثر إنسانية في عملي. أقضي الكثير من الوقت في الموقع لفهم بيئة موضوعي، والتعرف على الإشكاليات والتحديات وما إلى ذلك. وفي هذا المشروع، أعتقد أن تواجدي في الموقع، وحرصي على إقامة حوار حول قضية تغيّر المناخ ومستقبل الواحات مع الجيل الجديد، الذي يطمح عادة للتوجه نحو المدن، هو الخطوة الأولى نحو فتح هذا النقاش وتبادل الآراء حول هذا الموضوع.
على المستوى الوطني أو الدولي، لست واثقاً أن مشروعي سيفتح نقاشاً، ولكن أعتقد أن النقاش مفتوح بالفعل على الصعيد الدولي. قد يتيح هذا المشروع التفكير بمنظور مختلف، وهو محليّ أكثر بكثير مما نراه في وسائل الإعلام أو على وسائل التواصل الاجتماعي. سيساعدنا ذلك على إدراك وجود تغيّر المناخ في كل مكان، وخصوصاً في مناطق مثل المغرب وشمال إفريقيا، حيث لا نتوقع أن نرى تأثيره. اليوم، يركز الجمهور ووسائل الإعلام بشكل أكبر على الجزء الاسكندنافي، بسبب ذوبان الجليد، وما إلى ذلك. لذا، يُتيح هذا الموضوع منظوراً جديداً للنقاش العالمي حول تغيّر المناخ.
وصفت عملك بأنه تصوير شاعري وثائقي. هل تعتقد أن لهذا الجانب فعالية وتأثيراً أكثر من الواقع العاري؟ ماذا عن التوثيق؟ ألا تخشى أن تقلل تلك الشاعرية من قوة التوثيق؟
هذا أمر ذاتيّ. هناك سيل من الصور التي تتدفق علينا كل يوم. في الوقت الراهن، الأهم هو كيفية إشراك الجماهير في البداية، حتى يمنحونا أقصى قدر من الاهتمام لمشاركة رسالتنا.
في مُقاربتي، الجَمَال والشِّعر يلعبان دوراً مهماً للغاية، دون استبعاد الاشتباك المباشر وتبادل المعلومات. هذا هو توجهي الشخصي، ورؤيتي للتصوير الفوتوغرافي.
التصوير الفوتوغرافي هو مجرد وسيلة من بين وسائل أخرى لنقل الرسائل. لذا، إذا كان تطوير إنتاج أكثر شعرية سيسمح لموضوعاتي بالوصول إلى جمهور واسع، فلماذا لا!؟
على أي حال، أعتقد أن هذه النزعة الشعرية تجتذب الناس عاطفياً. لا يقتصر الأمر على مجرد إضافة شيء شعري أو فني، وادعاء أنني أفعل شيئاً فنياً. إنه إنشاء رابط، لخلق التعاطف، ولكي يتفاعل الناس دون الحاجة للشرح. يقف الناس أمام صورة ويستغرقون في النظر إليها لأنها تمسّهم. يؤدي هذا إلى إنشاء ارتباط يثير اهتمامهم وينقل الرسالة بطريقة أسهل كثيراً.
من هذا المنطلق، أود أن أُضفي على عملي جانباً شعرياً فنياً. كما قلتُ هذا لا يمنع الاشتباك المباشر والمعلومات التي تُكمل الجانب الشعري.
هل لك أن تخبرنا المزيد عن الخطوات التالية لمشروعك؟
بفضل برنامج «التصوير الفوتوغرافي الوثائقي العربي» (ADPP)، أكملتُ المرحلة الأولى من المشروع والتي غطت الجزء الغربي من الواحات المغربية. أقوم حالياً بإكمال الجزء المركزي، بفضل المنحة التي تلقيتها في نهاية العام، وستكون الخطوة التالية هي إكمال المرحلة الأخيرة، والتي تتعلق بالجزء الشرقي من البلاد، مع مناطق أخرى وواحات أخرى تواجه إشكاليات مختلفة. والهدف من ذلك هو نشر كتاب وإقامة معرض عن واحات المغرب، والمساهمة في مناقشة تأثير تغيّر المناخ في شمال إفريقيا بشكل عام.
هذا كل شيء، لذلك آمل أن تكون هناك معارض أو منشورات ناتجة عن هذا المشروع، وأن تصل إلى جمهور واسع محلياً ودولياً.
شارك سيف في معرض "مياه عكرة: صور من العالم العربي"، ضمن مهرجان مساحات للفنون والثقافة العربية في أوسلو من 22 إلى 25 سبتمبر 2022.