فاز مشروعكِ البصري الشخصي "شوق الغريب للي تقطع سبيله" بعدة جوائز، منها المنحة الطارئة للصحافيين من ناشيونال جيوغرافيك للعام 2020 وجائزة كرايتف أكتفزم 2021. كما فزتِ بجائزة فوتو إفيدانس 2022 لنشر مشروعكِ بشكل كتاب، وحزتِ على جائزة وورلد برس فوتو الإقليمية (أوبن فورمات/إفريقيا). هل تستطيعين مشاركتنا المزيد عن المشروع وكيفية توظيف هذه الجوائز لتوسيع تأثيره على المجتمع الذي يتطرق إليه؟
بدأت هذا المشروع بهدف إعادة التواصل مع جذوري. آتي من عائلة فلسطينية وبدوية عايشت صدمة عابرة للأجيال بسبب الأحداث التاريخية وفشلت في التعبير عن هذا الاضطراب. حين كبرت بدأت بطرح الأسئلة ليبدأ هذا التاريخ بالتكشّف. اذاً فالمشروع بدأ كوسيلة للتواصل مجدّداً مع أصولي البدوية، ولكن بعد أن بدأت العمل عليه وتعمّقت بالبحث أكثر، اكتشفت أن ما علي روايته ليس قصّتي بل قصّة المجتمع البدوي. وهكذا بدأ التعاون، اذ أردت أن أضمّ صوت المجتمع المحلي في المشروع أملاً بأن أعيد التواصل مع جذوري واحترام قصص هذا المجتمع بالوقت ذاته.
مع مرور الوقت، ومن خلال حواراتي مع المجتمع المحلي واختباراتي المتعدّدة لإشراكهم بالعمل، تحوّل المشروع الى مسار سلس يمزج بين صوري الفوتوغرافية ووسائطهم التقليدية مثل التطريز والشعر والصوت. لم يعد المشروع عن المجتمع البدوي فحسب، بل عن تجربة السكان الأصليين ككل وعن رحلة البحث عن الشعور بالانتماء. يشعر السكان الأصليون في جميع أنحاء العالم بهذا الإحساس بقوة، لأنهم لم يتركوا أرضهم أبداً؛ يعرفون إلى أين ينتمون. في حين أن الكثير منا، ممن أجبروا على مغادرة أراضيهم أو هاجروا، فقدوا تواصلهم مع موطنهم الأصلي وانتمائهم وهويتهم.
مكّنتني الجوائز من تمويل مشروعي وإكماله خلال العامين الماضيين. جائزة Fotoevidence W رائعة لأنني سأتمكّن أخيراً من تحويل المشروع إلى كتاب سيتم استخدامه بطرق مختلفة. فمن ناحية، سيمثل الكتاب توثيقاً لتاريخ المجتمع البدوي، أمّا من الناحية الأخرى، فسيحفّز الجمهور على التفكير بتجربة السكّان الأصليين وبمفهوم الانتماء بالوقت ذاته.
ساعدتني الجوائز أيضاً على تسليط الضوء على المشروع وعلى المجتمع البدوي الذي تم إسكات صوته لفترة طويلة. يفتخر المجتمع المحلي بإنجازات المشروع، فبالنسبة لهم رؤية صورهم معروضة في جميع أنحاء العالم يعدّ تقديراً كبيراً وبالنسبة لي هي وسيلة لردّ الجميل للمجتمع الذي ساهم كثيراً في انجاز المشروع.
تحاولين، عبر هذا المشروع، إعادة الاتصال بجذوركِ واستكشاف عملية البحث عن معنى الانتماء والبحث عنه من خلال المجتمع البدوي في سانت كاترين في جنوب سيناء ، في مصر. أين ترسمين الخط الفاصل بين الفضاء الداخلي (الشخصي) والفضاء الخارجي (أفراد المجتمع البدوي وقضيتهم)؟ وكيف يكون هذا الشعور بالانتماء نوعًا من الخيط المتصل الذي يربط بينهما؟ إخبرينا المزيد.
لقد عانيت طويلاً مع هذا الأمر، خاصّة مع فكرة أن ألتقط صوراً للمجتمع المحلي وأسميها "قصتي". لم ترحني الفكرة ولم تكن منطقية بالنسبة لي. أعتقد أن قصتي هي الدافع وراء المشروع، لكنها ليست ما تم تصويره في العمل. ما تم تصويره هو قصة المجتمع من خلال مساحتهم وآرائهم وقصصهم... الغريب في القصة هو أنا، لأنني على الرغم من كوني على اتّصال مع المجتمع لأكثر من خمسة عشر عاماً كفرد من أفراده وكناشطة في مجال الحقوق المدنية، الحقيقة أنني ما زلت غريبةً. عليّ أن أتصالح مع المشروع، وأن أجد القوّة في التعاون مع المجتمع المحلي.
بدأ إعجابي بالمجتمع البدوي منذ فترة طويلة قبل بدء العمل على المشروع. أعجبني شعورهم بأنهم في وطنهم في أراضي سيناء، ومدى معرفتهم بتاريخهم، وبالمكان الذي ينتمون إليه، وحفظهم لقصص أسلافهم. لذلك عندما بدأت المشروع، بحثاً عن احساس بالتواصل مع جذوري وفهم معنى الانتماء، بدأت أسأل المجتمع عما يعنيه ذلك بالنسبة لهم. بالنسبة للكثيرين، وخاصة كبار السن في المجتمع، يتعلق الانتماء بالأرض وترابطها مع الناس؛ يتعلق الأمر بمعاناة المجتمع البدوي لفترة طويلة للحصول على حقوقه المدنية، وذلك ببساطة لأنهم بقيوا على أراضيهم أثناء الاحتلال؛ يتعلّق بالكثير الذي استثمروه في هذه الأرض وكيف تستمرّ الأرض بردّ الجميل من خلال النباتات والمياه وما إلى ذلك.
إذاً هناك علاقة متبادلة بين الناس والأرض وهذه العلاقة هي ما يحدد مفهوم الانتماء باعتقادي. أحد الأمثلة على ذلك هو المجتمع البدوي الذي يُطلق عليه اسم قبيلة الجبيلية، خاصة بمنطقة سانت كاترين. تعتمد القبيلة في دخلها على السياحة بشكل رئيسي التي تشكّل 80٪ من هذا الدخل. عندما انتشر الوباء، ضعف قطاع السياحة بشكل كبير. بعد أكثر من عقد من الجفاف في سانت كاترين، وجفاف العديد من البساتين والأراضي، وفي نفس الشهر الذي تفشى فيه الوباء، حصل فيضان كبير أثّر على المنطقة بأكملها، والعديد من الوديان التي كانت جافّة لعقد كامل استعادت خصوبتها. ساعد هذا على بقاء المجتمع، الذي أعاد استصلاح بساتينه وزرع النباتات ليبيعها لمدن أخرى في جميع أنحاء مصر. قد يشعر المرء أن هذه كانت معجزة، وأنه في وقت الشدّة، أعادت الأرض للمجتمع جزاء تمسّكه بها. هذا مثال بسيط على هذا الترابط بين الناس والأرض الذي يحدد مفهوم الانتماء.
لقد ذكرتِ في بيان الفنان الخاص بكِ: "في عملي ، أستكشف كيفية تحدي الأطر الوثائقية التقليدية من خلال تطوير أساليب لإشراك المجتمعات لتصبح جزءاً من العملية الإبداعية وليكون لديها مشروعية." هل يمكنكِ إخبارنا بالمزيد؟
بدأ التعاون من خلال الأحاديث مع المجتمع، والتي ألهمتني لبدء التقاط الصور. كنت أرغب في تصوير هذا النهج بصرياً. بدأت التحدث مع أفراد المجتمع ولاحظت الوسائط المختلفة التي يستخدمونها. على سبيل المثال، استخدمت النساء التطريز للتعبير عن أنفسهنّ وكسب الدخل (العديد منهنّ يصنعن الحرف اليدوية ويتمّ بيعها للسياح). ذات يوم، بينما كنت جالسةً مع الحاجة ربيعة - إحدى المسنات - سألتها إذا كان بإمكاني التقاط صورة لها، لكنها رفضت (مثل الكثير من نساء المجتمع المحلي) واقترحت علي أن أرسمها بدلاً من ذلك، خوفاً من أن يتم استخدام صورها دون موافقة، أو خارج السياق على وسائل التواصل الاجتماعي. على الرغم من أنني كنت على علاقة قوية بها وكانت هناك ثقة متبادلة، إلّا أنها كانت لا تزال مترددة. وعندما طلبت مني رسمها بدلاً من تصويرها، أتتني فكرة... لم أرغب في رسمها لأن الرسم ليس وسيلتي المفضلة، لكنّني اعتقدت أنها يمكن أن تطرز نفسها بدلاً من ذلك. التقطت صورة لبستان اللوز المفضل لديها، وطبعت الصورة على القماش وطلبت منها أن تطرز نفسها عليها. كانت هذه بداية تعاون التطريز وعملت مع نساء أخريات بنفس الطريقة، مما منحهنّ السيطرة الكاملة على ما يردن إظهاره أو اخفاؤه من صورهن.
كالعديد من مجتمعات السكان الأصليين في جميع أنحاء العالم، فإن بدو سيناء عادةً ما يتم تصويرهم بشكل خاطئ في وسائل الإعلام، ويتم تصويرهم على أنهم معزولون ويمثلون تهديداً للمجتمع الحديث. ما هي خططكِ لنشر وتعميم قضيتهم؟ وما هي خططك المستقبلية لربط محتمل ما بين هؤلاء السكان الأصليين والسكان الأصليين الآخرين في جميع أنحاء المنطقة؟
أريد أن يمنح الكتاب المجتمع المحلي مساحة لتوثيق أرشيفه وبالطبع لرفع مستوى الوعي حول قضيته، ومجابهة العديد من الصور النمطية عن البدو. ما أتمناه هو أن يضيف الأعضاء الأصغر سناً في المجتمع المزيد من المحتوى إلى الكتاب في المستقبل، وأن يتحكّموا بأرشيفهم. لست متأكدةً من مجتمعات السكان الأصليين الأخرى وكيف يمكنني التواصل معهم، لأنّ طريقتي في العمل تتطلّب اتّصالاً وثيقاً مع المجتمع. أفضّل استثمار الوقت والجهد في العمل مع مجتمع واحد بدلاً من القيام بزيارات قصيرة لمجتمعات مختلفة وإنتاج عمل غير شامل.
مع ذلك، فإن فكرة العمل مع المزيد من المجتمعات مثيرة للاهتمام وأرى نفسي أدخل في مشروع آخر مع مجتمع مختلف. أحتاج فقط إلى منح الفكرة المزيد من الوقت والتأكّد من أنني أنصف المجتمع الذي سأعمل معه.
لقد تعاونتِ مع قبيلة بدو "جبيلية" في جنوب سيناء بمصر لإنتاج دليل ميداني للنباتات، وتطوير أرشيف لنباتات سيناء الغنية. انعكاسًا للأرض من خلال عيون القائمين عليها ، تم تطوير الأرشيف على شكل دليل ميداني. الدليل، الذي يستهدف الأجيال الشابة، يتضمن صورًا للنباتات والأعشاب المحلية التي تُستخدم كدواء بديل أو للممارسات الشخصية، ومعلومات عن مكان وزمان نمو النباتات، وكيفية انتقاؤها ووصف استخدامها التقليدي بخط اليد بواسطة المتعاونين من المجتمع. هل سيساعد هذا الدليل الميداني في وقف، أو على الأقل إبطاء، عملية فقدان الإحساس بالانتماء لهذه الأجيال الجديدة تجاه أرضهم ومجتمعهم؟
أنا حقّاً آمل ذلك! كان هذا أحد الأهداف عندما بدأت لأوّل مرّة العمل على الدليل الميداني للنباتات، وتم إنشاء المحتوى مباشرة من قبل الأجيال الأكبر سناً من المجتمع البدوي، الذين أرادوا نقل معرفتهم للأجيال الشابة التي نأت بنفسها عن المجتمع، وذهبت للبحث عن فرص أفضل والإندماج في مناطق أخرى في أنحاء مصر. لذلك آمل حقًا أنه باستخدام هذا الدليل الميداني، يمكنني جسر الهوّة بين الأجيال وأن تتمكن الأجيال الشابة في المجتمع من إعادة الاتصال بالأرض بطريقة ما. أتذكّر عندما قمت بتطوير أوّل عرض توضيحي للدليل الميداني، قمت بطباعة عينتين وذهبت إلى المجتمع المحلي للحصول على بعض النصائح، والتحقق من بعض المعلومات، وما إلى ذلك. أخذ أحد المتعاونين الأكبر سناً، الشيخ إبراهيم، الدليل الميداني ونادى يوسف ابنه الأصغر. بدأ الشيخ إبراهيم بتعريف يوسف على النباتات المختلفة، وكان ذلك بالنسبة لي دليلاً على أن هذا يمكن أن ينجح حقاً.
شاهد بدوي آخر، وهو مرشد سياحي في العشرينات من عمره، العرض التوضيحي الأوّل وقال "من فضلك أضيفي ترجمة إنكليزية إلى الدليل، لأنني أرغب في استخدامه لبيع هذه النباتات للسياح". وقد لبّيت طلبه بالفعل.
لدي أيضاً هذا المخزون الضخم من النباتات المجفّفة من تجاربي المختلفة للدليل الميداني للنباتات، وحلمي هو إنشاء معرض متعدّد الحواس للمشروع حيث يمكن للجمهور مشاهدة صورهم ومقاطع الفيديو الخاصة بهم، وسماع أصواتهم، ولمس المعروضات، ربّما ليس أعمال التطريز ولكن لمس النباتات بالتأكيد، وحتى شمها وتذكر رائحة الأرض التي نبتت فيها.
كيف ساعدكِ برنامج التصوير الفوتوغرافي الوثائقي العربي على توسيع آفاق مشورعكِ من خلال التصميم والتنفيذ والنشر؟ وما هو دور خريجي البرنامج في هذا السياق؟
انضمامي الى برنامج التصوير الفوتوغرافي الوثائقي العربي كان بمثابة حلم تحقّق. فالبرنامج ليس مجرّد مساحة لتعلّم بعض الأمور، وانّما طريقة تفكير تساعد المصوّر على التعامل مع مشروعه بطريقة إبداعية وأخلاقية.
لقد تمّ إرشادي بشكل أساسي من قبل إريك غوتسمان، وكنا نقضي الكثير من الجلسات نتحدث فقط عن معنى هذا المشروع، ونفصّل كل كلمة تلقيتها من المجتمع المحلي وكل كلمة قلتها عن المشروع. اكتشفنا كيف يمكن للمشروع أن يرتقي إلى شيء أكبر بكثير من مجرد قصتي الشخصية؛ نمت قصة المجتمع بشكل أكبر لأنني بدأت في استخدام الاستعارات والتحدث أكثر عن معنى ومفهوم الانتماء. لا أعتقد أنني كنت سأكون قادرةً على تطوير المشروع بهذه الطريقة المجازية والشاعرية لولا مشاركتي بالبرنامج.
ساعدني العمل مع بيتر فان اغتمايل ورندا شعث (من مستشاري البرنامج) خلال الورشة الأخيرة على النظر إلى عملي بشكل مختلف، لأن خلفيتهما مختلفة جداً عن خلفيتي. الطريقة التي نظرا بها إلى عملي وكيف قاما بتحليله غيرت بالفعل وجهة نظري حول المشروع. اعتقدت أن المشروع كان مجرد مشروع صغير لا يمكن للكثيرين التفاعل معه، ولكن مع برنامج التصوير الفوتوغرافي الوثائقي العربي وجدت أن هذه القصة أكبر بكثير وأكثر عالمية مما كنت أعتقد.
لقد كنت أعمل على المشروع مع تانيا حبجوقة قبل وأثناء وبعد مشاركتي بالبرنامج. لقد كانت جزءاً مهماً من تطوير المشروع مما أدى في النهاية إلى أن أكون مؤهلة للانضمام إلى برنامج التصوير الفوتوغرافي الوثائقي العربي. والآن، هي محرّرة كتابي.
تلقيت دعماً كبيراً من أسرة البرنامج ومن شبكة المشاركين السابقين في ورش عمله. لقد وجدت دعماً هائلاً منهم عندما بدأت في الفوز بالجوائز، وعندما أنجبت ابنتي عايدة، وعندما بدأت بالتفكير في طرق مختلفة لنشر المشروع... لا أعتقد أن هناك شبكة داعمة في منطقتنا مترابطة الى هذا الحدّ، وأنا ممتنة حقاً لكوني جزءاً منها.
ما اللذي يؤرقك؟
الكتاب، أقول هذا دون أي تردّد. فبقدر ما أحب هذا التحدي، أفكّر باسمرار في كيفية توليف كتاب ليس مجرد كتاب صور تقليدي، وكيف سيكون الكتاب مصدر تمكين لصوت البدو دون وضع هذا الصوت خارج السياق. في الوقت الحالي الكتاب هو هدفي الرئيس ثم يأتي المعرض.