"منتدى المشرق والمغرب للشؤون السّجنيّة" هو مساحة حوار، مادّيّة وافتراضيَة، في "المَسائِلِ السجنية" في المشرق والمغرب، وملـتـقى للتّجارب والاختصاصات، وللأنواع البحثـيَة ــ سواءٌ أكانت أكاديميّة أم أدبيّة فـنّـيّة.
ما هو منطلق مشروع "منتدى المشرق والمغرب للشؤون السّجنيّة"؟
مونيكا بورغمان: مشروع البحث هذا هو نتاج عمل سنوات بُذلت خلالها جهودٌ كبيرة على مستويات عدّة. شعرنا بضرورة جمع كل هذه العناصر التي عملنا عليها خلال السنوات الماضية، والتي جمعنا خلالها أيضاً مواد كثيرة بالتعاون مع شركاءٍ عدّة. شعرنا أيضاً أن السجن هو مفتاح فهم الوضع الراهن في العالم العربي اليوم.
لقمان سليم: بالفعل، بعد سنوات من العمل على هذا الموضوع، أدركنا بشكلٍ واضح قصور المقاربات الفنية حصراً أو الحقوقية حصراً أو حتى التي تتناول إصلاح قطاع الأمن حصراً. الشعور بغياب التكامل بين هذه المقاربات هو تحديداً منطق وفلسفة هذا المشروع. نعلم تماماً أن السجون لن تختفي من العالم قريباً. إلا أن مواصلة التسويف والإنكار أصبحت لا تُحتمل، والاستمرار في لعب دور الضحية أضحى بلا طائل. فرياح الربيع العربي حملت معها ديناميةً جديدة. أخذ السجن مكانه للمرة الأولى على طاولة النقاش العام المفتوح. بالتأكيد كان هناك عددٌ من البلدان التي عمدت إلى بحث الأمر قبل عام 2011، كالمغرب مثلاً الذي اضطر إلى فتح ملف السجون حتى في عهد الحسن الثاني، إلا أن ذلك تم بشكل أساسي تحت ضغط المجتمع الدولي. أيضاً كانت هناك محاولة في سوريا لم تلبث أن خبت جذوتها سريعاً، إلا أنها لم تكن لتحدث لولا موت حافظ الأسد. بعدها وفي العام 2011 أصبح فتح ملف السجون ضرورةً ملحّة، وشهدنا جميعاً بشكلٍ واضح كيف عاد السجن مجدّداً كأداةٍ للعسف والقمع ضمن ترسانة القوى المناهضة للربيع العربي.
دفعتنا هذه الأسباب مجتمعةً إلى تطوير فكرة بسيطة نعمل بمقتضاها على تأسيس فضاء بالمعنيين، الافتراضي أولاً، مع إمكانية تحوله إلى فضاء مادي لاحقاً، للاشتباك مع هذا الملف ومحاولة جمع الأطراف المعنية به حول طاولة النقاش. مع علمنا أن بعضاً من هذه الأطراف لن يكون سعيداً بالدعوة.
مونيكا بورغمان: نؤمن أشد الإيمان بالمشاريع متعددة التخصصات. وليست هذه المرة الأولى التي نطلق فيها مبادرةً كهذه، إلا أنه وكما قال لقمان، يحدونا شعورٌ بقصور المقاربات الفنية حصراً أو الحقوقية حصراً أو الأمنية حصراً كما كان الحال سابقاً، ونؤمن بأن آليةً جديدة للمقاربة يمكن أن تنبثق عن جمع العناصر الفاعلة من كل هذه المقاربات.
مشروعٌ بهذا الحجم وبهذا التنوّع من التخصصات، لا يمكن أن يُتوقع منه فقط تحقيق النتائج المرجوة كنشر الوعي والدفاع عن حقوق الإنسان. هل من نتائج أو أهداف متوقعة تودون تحقيقها من المشروع؟
لقمان سليم: حيث أن طموح المشروع لا حدّ له، سيسعدنا النجاح في ترسيخ مكانتنا كمنتدىً إقليمي يتناول هذه القضايا. ورغم علمنا بضرورة الحذر إزاء التوقعات، دعيني أتعمّق قليلاً في هذا الصدد. لماذا لا نطمح إلى ما يشبه تقريراً شاملاً عن أوضاع السجون في العالم العربي؟ من ناحية يراكم هذا التقرير نتائج عمل نشطاء حقوق الإنسان، ومن ناحيةٍ أخرى يحاول استشعار ما يقوله الفنانون، ومن ناحيةٍ ثالثة يراقب الجهود المبذولة لإصلاح قطاع الأمن... تقريرٌ يقرّ فعلياً بأن هذه المشكلة ليست مشكلةً عارضة لا تلبث أن تختفي لتعاود الظهور مجدّداً. واقع الحال أن مشكلة السجون هي مشكلةٌ طويلة الأمد، تتصل بثقافتنا السياسية دون شك، إلا أنه لا يمكن الاستمرار في ترديد أنها مشكلة متجذّرة في جيناتنا الوراثية. هناك حلولٌ يمكن تجربتها، قد يفشل بعضها وقد يتمخّض بعضها الآخر عن نتائج إيجابية. ما يهم هنا هو الإبقاء على النقاش على مستوىً معين من الفعالية، وإذا ما نجحنا في ذلك سنكون سعداء وقد يستفيد آخرون من حصاد تجربتنا.
ألا تجدون العمل على المستوى الإقليمي صعباً؟ خصوصاً مع ما يمكن أن يمثله من تحديات تفرض التعامل ضمن سياقات عديدة ومع مفاهيم مختلفة للسجن ومع طرق مختلفة لرؤية الاعتقال السياسي من قِبل الرأي العام؟
لقمان سليم: دون شك. هذا واحدٌ من أوجه النقد التي يمكن توجيهها لمثل هذه المقاربة، ونعلم مسبقاً أنه ربما لن يكون بوسعنا تغطية سياقات المنطقة التي نعمل ضمنها بالعمق ذاته. إلا أننا لا نؤمن أيضاً بإمكانية تطوير حلول تقتصر على بلد من بلدان المنطقة دون آخر، لا سيّما بالنظر إلى البعد الثقافي الدامغ للمشكلة. نؤمن أن البحث عن حلولٍ مجتزأة لكل بلد عربي على حدا لا يمكن أن يكون حلاً، وبرأينا فإن هذه القناعة توازن ما قد يعترض تنفيذ المشروع من عقبات.
عند العمل على قضية لا يتسنى التواصل مع غالبية المعنيين بها، إما لوجودهم خلف القضبان أو لخوفهم من القبضة الأمنية، كيف تقاربون مشكلة التسطيح البحثي لقضية لا يمكنكم التواصل مع غالبية المعنيين بها؟
لقمان سليم: هذا تحديداً هو ما يفسّر مقاربتنا التي تسعى منذ البداية إلى اشتمال أكبر عددٍ ممكن من المعنيين وأصحاب الشأن. نعلم تماماً أنه لن يكون بوسعنا الوصول إلى الجميع، لذا نؤمن بضرورة الإفادة مما حقّقته مؤسساتٌ أخرى على مستوياتٍ أكثر تفصيلاً.
مونيكا بورغمان: نواصل العمل خلال السنوات الماضية على بناء شبكةٍ موسّعة للتنسيق مع المنظمات الأخرى ما يعطينا الثقة في مواصلة الانتشار. وتتضمن هذه الشبكة علاقات عديدة مع معتقلين سابقين.
لقمان سليم: تعقيباً على حجم هذه الشبكة، ليس للمقاربة الكميّة الأهمية الكبرى هنا. ما فعلته أمم وما تسعى لفعله هو استكشاف إمكانية إرساء معايير مرجعية عوضاً عن القيام بكل شيء.
كيف يمكنكم مواصلة العمل؟ بالنظر إلى أن أغلب من تتعاملون معهم هم معتقلون، كيف يمكنكم العمل على قضاياهم في ظل الأنظمة القمعية بالمنطقة؟ وما هو نوع التحديات التي تواجهونها؟
لقمان سليم: هناك اختلافات عدّة بين الأنظمة القمعية في هذا الصدد. السؤال هو كيف يمكن أن نتعامل مع كل هذه الاختلافات. بالتأكيد إذا طلبتِ مني الآن التوجه إلى القاهرة لإجراء المقابلات مع المعتقلين لن ينجح الأمر بتاتاً. لذا في حالة مصر مثلاً نعمد إلى التواصل مع من يعملون بالفعل على الموضوع، والذين لا يعملون بالضرورة من مصر أو من القاهرة. يتطلّب الأمر تلاعباً على الألفاظ في بعض الأحيان أو تقديم المشروع كمشروعٍ بحثي ينصبّ على الجانب التاريخي للموضوع في أحيانٍ أخرى.
النقطة التي ذكرتموها بشأن انتفاء فعالية المقاربات الفنية حصراً أو الحقوقية حصراً، كيف يمكن لهذا المشروع والذي يجمع كل هذه المقاربات أن يأخذ منحىً أكثر راديكالية خلافاً لما سبقه؟ ولماذا لم تنجح المقاربات السابقة في ذلك؟
لقمان سليم: برأينا أنه على الممارسين بحقل الفنون أو الناشطين بمجال حقوق الإنسان أن يكونوا واعين لحدود فاعليتهم. وأعتقد أن أحد أهداف هذا المشروع هو تشجيع هؤلاء الفنانين والناشطين على ممارسة النقد الذاتي، أو امتلاك حدٍ معين من الوعي يمكنهم من رؤية العالم خارج حدود جماعتهم. هل سينجح الأمر؟ أعتقد أن الاستمرار في التساؤل مهمٌ للغاية. لذا نحن على قناعة بضرورة إشراك ممثلين عن الحكومة، ونؤمن أنها طريقة بديلة لدفع التساؤل في كل اتجاه.